مستقبل العلاقات الخليجية – الإيرانية
منذ سقوط نظام الشاه في إيران عام 1979 والولايات المتحدة تحاول تحجيم الدور الإيراني في المنطقة ( الخليج )، وعمدت الولايات المتحدة إلى سلك جميع المسالك التي تفرض من خلالها هذه الخصوصية القائمة بين دول المنطقة مع إيران من جهة، وبين أمريكا نفسها وإيران من جهة أخرى .. جاء هذا كرد فعل طبيعي على إسقاط نظام حليف إستراتيجي معتدل . وكنتاج لتشكل هذه الخصوصية ، اندلعت الحرب الإيرانية العراقية التي جاءت كتتويج لفرز قطبين متصارعين بشكل مباشر قطب إيراني وأخر عراقي مدعوم من دول الخليج ، وكان من وراء هذا الدعم الخليجي لنظام صدام هو وقف النوايا الإيرانية عند حدها فيما يخص نقل الثورة لهذه الدول وبالإضافة إلى هذا الدعم فالدول الخليجية كانت أمام خيارين إما الوقوف بجانب صدام الذي كان هو الأخر مدعوما أمريكيا والتحالف معه بمثابة التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية و بتعهده بوقف الزحف الإيراني وبين التقرب من إيران باعتبارها قوة إقليمية ذات تأثير اقتصادي وثقافي ...الخ وهذا كان مستبعدا .
وبعدما خرج العراق من الحرب ضد إيران واعتباره كاسبا فيها بدليل أن إيران هي من اقترحت توقيف إطلاق النار ، حينها حدثت تحولات مفاجئة في تركيبية التحالفات في المنطقة حيث انقلبت الدول الخليجية على العراق بمجرد انتهاء هذه الحرب ، وقررت الكويت زيادة إنتاجها من النفط في حين كان العراق منهكا بالديون وبحاجة إلى رفع أسعار النفط لتسديد عجزه مما اعتبره خرقا للاتفاقيات الموقعة في إطار opep ودفع بالتالي هذا بالدول الخليجية بتغيير استراتيجياتها اتجاه إيران، ومحاولة التقرب إليها وكسب ودها دون أن يؤثر ذلك على الحليف الذي يضمن توازن القوى ا(لولايات المتحدة ) بعد الاستغناء عن الدور العراقي، فوقعت الكويت بعد تحريرها اتفاقية للتعاون في ميدان النقل البحري بهدف إنعاش التبادلات التجارية بين الدولتين ، وفي نفس الوقت رحبت إيران بهذا التقرب في شقها من المعتدلين ، وشجع المعتدلون الانفتاح على الدول المجاورة قصد دعم اقتصادها الذي يعاني أصلا، وهذا كان أيضا بمثابة تمهيد لمطالبة إيران بزيادة حصتها من الإنتاج في منظمة " أوبك" وتطلب ذلك تجميد وتحديد السقف الإنتاجي للسعودية ، وهو الأمر الذي قبلت به السعودية وزادت بذلك إيران إنتاجها من النفط . ولكن بقدر ما كانت الدول الخليجية تنهج سياسة ازدواجية مع إيران من اجل الحفاظ على أمنها الداخلي بقدر ما كانت تهدف وراء هذه المبادرات انتزاع بعض المطالب السياسية كتسليم الجزر الإماراتية الثلاثة ( أبو موسى ، طنب الكبرى ، طنب الصغرى)
ما يرى فيه المتشددون استسلاما للقرار الامركي وسياستها في المنطقة .
إن مستقبل العلاقات الخليجية الإيرانية يرتسم ويتماشى مع مجموعة من التأثيرات القائمة فمن الناحية الإيرانية، فهي علاقات يتحكم فيها إلى حد كبير رجال الدين المتشددون ذوي السلطة ، وهؤلاء يرون في التقرب من دول الخليج استسلام للأجندة الأمريكية في المنطقة ، وان هذه الدول هي دول عميلة لها ، تنفذ استراتيجيتها وبالتالي التآمر على إيران يهدف إلى إضعاف دورها . وأيضا هناك قطب إصلاحي معتدل يدعوا إلى نهج سياسة خارجية أكثر انفتاحا حتى تتمكن إيران من إنعاش اقتصادها وسط هذه العقوبات الدولية .
ومن الناحية الخليجية فهي علاقات حذر مستمر فهذه الدول تعرف جيدا أن المحافظة على توازن القوى في المنطقة يتطلب تواجد مستمر للحليف الأمريكي الذي يضمن هذا التوازن وسط التخوفات المتنامية مع تطوير برنامجها النووي ، والتدخل في الشأن العراقي الذي طالما انتقدته دول الخليج بشدة .